جريمة أنصار بالوقائع والدوافع: خرجت من مغارة "الذكورية"!
تحت عنوان "جريمة أنصار بالوقائع والدوافع : خرجت من مغارة الذكورية" كتب هادي الأمين في درج:
تنتمي دوافع المتهم بواحدة من أخطر جرائم قتل النساء في لبنان حسين فياض الى نفس منظومة الاستحواذ الذكوري التي ترى في الفتيات والنساء ملكية يسهل التلاعب بها و التخلص منها وتشويه سمعتها.
في مغارة في خراج بلدة أنصار جنوب لبنان، حيث طمس معالم جريمته وأخفى جثث ضحاياه الأربعة كان للموقوف المتهم الرئيسي حسين فياض حكاية سابقة تجمعه وشريكه الفار (ح.غ) الذي يحمل الجنسية السورية.
بحسب مصادر التحقيق فإن فياض اعترف بارتكاب الجريمة وبأنه وشريكه قد تواطآ في عملية تنقيب عن آثار في المغارة نفسها وتم توقيفهما في مخفر الدوير عام 2018، وها هما اليوم يتشاركان بحسب اعترافات فياض لدى استخبارات الجيش، في جريمة خطف طليقة مختار أنصار ابتسام عباس وبناتها الثلاث منال وريما وتالا صفاوي.
المغارة شهدت على واحدة من ابشع جرائم قتل النساء التي عرفها لبنان في السنوات الأخيرة والتي قضت على عائلة بأكملها بدوافع ذكورية واستحواذية بحتة كما تقول المعلومات المتوافرة حتى الآن.
في التحقيقات التي أجرتها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي أقرّ حسين فياض بتفاصيل فعلته، التي بدأت بالتخطيط قبل يوم من التنفيذ، وتوجه مع شريكه الى المغارة التي قتل ضحاياه فيها. حفر الشريكان قبوراً لأربعة أشخاص، استخدما فيها أدوات في ورشة قريبة، وأحضرا بندقية صيد يملكها فياض في منزله، ودعا الأم وبناتها الثلاث، في اليوم التالي إلى العشاء في مطعم في مدينة صور، ومن المنزل توجه بهن الى المغارة حيث كان (ح.غ) ينتظر فياض بحجة اعطائه أموالاً يدين له بها.
وفق إفادته أمام فرع المعلومات والتي حصل عليها معد التحقيق، طلب فياض من الضحايا الأربع استطلاع المغارة للتعرف إليها من الداخل لأنها تصلح للنزهة و”المشاوي”، وعند نزولهن لتفقدّ المغارة، دفع فياض باثنتين من الضحايا إلى داخله، وساعده شريكه برمي ضحيتين من على درج داخل المغارة. ودخل شريكه وأطلق النار عليهن جميعاً ببندقية الصيد التي جهزّاها سابقاً لارتكاب الجريمة.
اختبأ حسين، وفق إفادته، لأكثر من ساعتين في مكان قريب بينما كان شريكه يطمئن إلى إخفاء آثار الجريمة داخل المغارة.
فور الانتهاء انتقل المتهمان الى صيدا حيث قام فياض بتحطيم هواتف الضحايا واحداً تلو الآخر ورماهم تباعا في البحر، مع سترة تلطخت بالدماء، وعادا الى البلدة وكأن شيئاً لم يكن.
بالبرودة نفسها التي نفذ المشتبه فيه حسين فياض جريمته بقتل الأم وبناتها، استطاع أن يتعامل مع التحقيقات في مرحلة ما بعد شيوع اختفاء النساء الأربع، فشتت الأجهزة الأمنية والنائبة العامة الاستئنافية في النبطية غادة أبو علوان، لعدم توقيفه كمشتبه به. وصل الأمر إلى مرحلة، أتيحت له فرصة الخروج خارج البلاد، وتحديداً إلى سوريا، قبل أن يتم استدراجه في مبادرة فردية من احد ابناء البلدة، بعدما عجزت الأجهزة الأمنية عن إقناع القاضية ابو علوان بضرورة توقيفه للتوسع في التحقيقات، خصوصا أن التحقيقات الأولية أظهرت تناقضات في إفادة فياض.
بعد يوم من اختفاء بنات المختار الثلاث وطليقته، تقدم بشكوى أمام النيابة العامة في النبطية، عن اختفاء أفراد عائلته ومن بينهن فتاة قاصر، استناداً إلى شهادة إحدى السيدات في البلدة تفيد بمشاهدتها سيارة رباعية الدفع ذات زجاج داكن تشبه تلك التي يملكها فياض، التي تربطه علاقة عاطفية بإحدى البنات الثلاث، أقلّت الأم مع بناتها بملئ ارادتهن من بيتهن، وهذا ما أثار الشبهات لدى الشاهدة.
في إفادته الأولى بعد استدعائه الى مكتب “تحري النبطية”، أبلغ فياض المحققين أنه كان في منزله يعمل على توضيب الغرفة التي سيستخدمها شقيقه القادم من الخارج لقضاء عطلة، إلا أن افادته تناقضت وداتا الاتصالات التي حصلت عليها الأجهزة الامنية، والتي اشارت الى ان هواتف البنات الثلاث أطفأت في بلدة أنصار بينما بقي هاتف الأم مفتوحا، وقد تزامن وجود رقمه مع رقم الأم على شبكة صيدا، وبعدها في محطة إرسال جدرا، بحسب داتا الإتصالات.
هنا بدأت تتكشّف أولى خيوط تضليل التحقيق، التي لم تعتبر رئيسة النيابة العامة في النبطية انها تستدعي الاشتباه بفياض وتوقيفه، بل استمر في متابعة مجريات التحقيق ببرودة كانت تقع كالنار على الأب المختار الذي بقي لأكثر من أسبوع يبحث عن معلومة عن عائلته المفقودة.
مرت عشرة أيام من التحقيقات، استمعت الأجهزة الأمنية خلالها الى فياض مرتين، لكن مسار التحقيق كان يبدو لأهل البلدة وكأنه غير جدي. وما أثار الغضب من تراخي التحقيق هو أن القضاء والاجهزة الأمنية لم يسعيا لفتح باب منزل العائلة في البلدة، وبدأت الأقاويل تنتشر عن هروب الأم وبناتها. بعدها استسلم الأب وقرر فتح باب البيت عله يجد ما يدله إلى ضالته، واحضر معه مجموعة من أبناء البلدة، وهنا كان المؤشر الأكثر جدية على حصول جريمة، فقد تم العثور على هويات الأم وبناتها وجوازات سفرهن ومجوهراتهن وقليل من الأموال، وهو ما يستبعد فرضية سفرهن أو هروبهن، ويعزز فرضية حصول عمل جرمي، لتصبح فرضية هروب البنات مع أمهن من دون أوراق ثبوتية مستبعدة، باستثناء القاضية ابو علوان التي بقيت مصرّة على موقفها رافضة توقيف فياض لعدم وجود جرم. بقيت القاضية متمسكة بفرضية هروب الفتيات وأمهن لدوافع شخصية وجرّاء خلافات عائلية، في حين كان الوالد يؤكد حسن علاقته ببناته وطليقته، واستبعاده فرضية هروبهن.
أكثر من عشرين يوما مرت على اختفاء العائلة من دون أن يصل أي خبر إلى الوالد، في وقت انتشرت أنباء وأقاويل عن رسائل من واحدة من البنات إلى مقربين من العائلة تفيد بأن الأم تزوجت وأن الشقيقات مخطوفات.
كانت تلك الشائعات محاولة لتضليل التحقيق والإيحاء بأن هناك دوافع سلوكية يسهل الترويج لها في مجتمعاتنا بحيث يتم تحميل الزوجة مسؤولية الاختفاء بمزاعم سلوك أخلاقي وتم الإيحاء في هذه الحالة بأن الفاعل هو زوج الأم المفترض. لاحقاً وصلت رسالة أخرى تضليلية من خط سوري الى هاتف فياض، تفيد بأن المخطوفات موجودات في سوريا والمطلوب إحضار خمسة آلاف دولار لاستعادتهن.
على هذا الأساس توجه فياض الى سوريا مع شريكه، وبعد وصوله أبلغ عائلته أنه تعرض لسرقة ومصادرة اوراقه الثبوتية، لتبدأ بعدها عملية محاولة إقناعه بالعودة من قبل أحد أفراد أسرته، وبعد نجاح عملية الاستدراج، داهمت استخبارات الجيش منزله، لكنه تمكّن من الهرب، وألقي القبض عليه في اليوم التالي في أحد البساتين في خراج بلدة أنصار.
المفارقة أن فرع المعلومات حاول التقدم بطلب لنقل التحقيقات إليه، لكن القاضية ابو علوان رفضت، لعدم توفر جرم بالنسبة إليها، مع تركها حرية متابعة التحقيقات التقنية لتقديرات الأجهزة الأمنية.
في التحقيق الأولي أمام استخبارات الجيش، وبحسب مصادر التحقيق اعترف فياض بأن الدوافع “عاطفية ” وأن علاقة تربطه بإحدى الفتيات المغدورات، وجراء شكوك دخلت في رأسه وبتحريض من شريكه في الجريمة، أقدم على فعلته.
اختتمت مخابرات الجيش تحقيقاتها الأولية، وأصدرت بيانها الذي أعلنت فيه توقيف الجاني واعترافه بجريمته، قبل نقل الملف الى فرع المعلومات الذي انتزع الرواية الكاملة وعثر على السلاح المستخدم في منزل الجاني، في انتظار انتهاء الادلة الجنائية من اعداد تقريرها والعمل على مطابقة الاعترافات بالوقائع.
ومع استكمال التحقيقات مع فياض لا يزال شريكه طليقاً ولا يزال دافعه من المشاركة في هذه الجريمة البشعة غير واضح تماماً.
هذه المعطيات، أثبتت ما يتكرر في مثل هذه الحالات من جرائم قتل النساء، إذ تنتمي دوافع حسين فياض الى نفس منظومة الاستحواذ الذكوري التي ترى في الفتيات والنساء ملكية يسهل التلاعب بها و التخلص منها وتشويه سمعتها.
لأكثر من خمسة وعشرين يوماً بقي مصير الأم وبناتها معلقاً بل وبعيداً عن السؤال وعن الإعلام في واحدة من أخطر جرائم قتل النساء التي عرفها لبنان في السنوات الأخيرة. جريمة أنصار حصلت في بلد يشهد ارتفاعاً في نسب العنف والجرائم ضد النساء، وحيث لا تزال القوانين والثقافة السائدة تمارس تمييزاً وعنفاً ممنهجاً ضد اللبنانيات.
(هادي الأمين - درج)